اسلاميات وبرامج الشرقاوى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أسباب الوقوع في الابتداع والتحزب

اذهب الى الأسفل

 أسباب الوقوع في الابتداع والتحزب  Empty أسباب الوقوع في الابتداع والتحزب

مُساهمة  حسين الجمعة نوفمبر 12, 2010 1:35 pm

<BLOCKQUOTE>أسباب الوقوع في الابتداع والتحزب


بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب الوقوع في الابتداع والتحزب كثيرة وسأذكر بعضا منها:

السبب الأول: الجهل بشرع الله:
وهو عدو رسالات الرسل فلهذا جعل الله الجهال شر الدواب فقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} [الأنفال : 22]، وجعلهم سبحانه أضل من الأنعام فقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [الفرقان : 44]، فانظر رحمك الله إلى بالغ الذم للجهال من قبل الله فقد جعلهم شر الدواب على اختلاف أصنافها وأنواعها من حمُر وسباع وكلاب وحشرات وضفادع.

وجهل المسلمين بدينهم أعظم سبب لانحرافهم عنه، وهو داء المنحرفين قال ابن عيينة: (الجهل بمنـزلة الكفر، والعلم بمنزلة الإسلام). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "الإيمان": (إذا تدبرت حجج أهل الباطل رأيتها دعاوى لا يقوم عليها دليل). وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: (أما شجرة الجهل فتثمر كل ثمرة قبيحة من الكفر والفساد والشرك والظلم والبغي والعدوان والجزع والهلع والكنود والعجلة والطيش والحدة والفحش والبذاء والشح والبخل ومن ثمرته الغش للخلق والكبر عليهم والفخر والخيلاء والعجب والرياء والسمعة والنفاق والكذب وإخلاف الوعد والغلظة على الناس والانتقام ومقابلة الحسنة بالسيئة والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وترك القبول من الناصحين وحب غير الله ورجاؤه والتوكل عليه وإيثار رضاه على رضاء الله وتقديم أمره على أمر الله والتماوت عند حق الله والوثوق بما عند حق نفسه والغضب لها والانتصار لها فإذا انتهكت حقوق نفسه لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم بأكثر من حقه وإذا انتهكت محارم الله لم ينبض له عرق غضبا لله فلا قوة في أمره ولا بصيرة في دينه، ومن ثمرتها الدعوة إلى سبيل الشيطان وإلى سلوك طريق الغي واتباع الهوى وإيثار الشهوات على الطاعات وقيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ووأد البنات وعقوق الأمهات وقطيعة الأرحام وإساءات الجوار وركوب مراكب الخزي والعار والشر بمجموعه شوك يجتنى من شجرة الجهل... وكل شر وفساد حصل في العالم ويحصل إلى قيام الساعة وبعدها في القيامة فسببه مخالفة ما جاءت به الرسل في العلم والعمل)
وذهاب الإسلام إنما جاء عن طريق الجهل فهو جسر الشر كله قال محمد بن الفضل: (وذهاب الإسلام على أيدي أربعة أصناف من الناس: صنف لا يعملون بما يعلمون، وصنف يعملون بما لا يعلمون، وصنف لا يعملون ولا يعلمون، وصنف يمنعون الناس من التعلم). فانظر كيف أظهر هذا العالم أن الشر بحذافيره هو بسبب الجهل فكل الأصناف الأربعة مردودة إلى الجهل أعاذنا الله منه، أما الصنف الأول والثاني فقد قال فيهم السلف: (احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فهما فتنة لكل مفتون)، وأما الصنف الثالث فهم كالأنعام، وأما الصنف الرابع وهم الذين يثبطون الناس عن التفقه في الدين فهم نواب إبليس في الأرض وهم أضر على الناس من شياطين الجن.
وجهل أهل البدع نجملها في الآتي:
1- الجهل بمنهج الأنبياء وما أنزل الله إليهم من الهدى والنبوة.
2- الجهل بنصوص الشرع.
3- الجهل بآثار السلف وعقيدتهم ومنهجهم ومنزلتهم.
4- الجهل بقواعد الشرع ومقاصده.
5- الجهل بمنهج الاستدلال والتلقي فهم مبتلون بهذه الأنواع وإن كانوا متفاوتين في ذلك.

السبب الثاني: البغي والظلم:
إن من موجب الاختلاف بين المسلمين البغي وهو الذي وقع فيه أهل الكتاب قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [آل عمران : 19]، وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [البقرة : 213]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والبغي إما تضييع للحق وإما تعد للحد، فهو إما ترك واجب وإما فعل محرم، فعلم أن موجب التفرق هو ذلك)
وقال وهو يتحدث عن الاختلاف الناجم عن البغي: (وهذا حال أهل الاختلاف المذموم من أهل الأهواء كلهم لا يختلفون إلا من بعد أن يظهر لهم الحق ويجيئهم العلم فيبغي بعضهم على بعض ثم المختلفون المذمومون كل منهم يبغي على الآخر فيكذب بما معه من الحق مع علمه أنه حق، ويصدق بما مع نفسه من الباطل مع العلم أنه باطل، وهؤلاء كلهم مذمومون، ولهذا كان أهل الاختلاف المطلق كلهم مذمومين في الكتاب والسنة، فإنه ما منهم إلا من خالف حقا واتبع باطلا)
وقال أيضا في "مجموع الفتاوى" 1/14-15: (وهذا كما قال تعالى عن أهل الكتاب {وَمِنْ الَّذِينَ قالوا إنا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة : 14] فأخبر أن نسيانهم حظا مما ذكروا به – وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به – كان سببا لإغراء العداوة والبغضاء بينهم، وهكذا هو الواقع في أهل ملتنا مثلما نجده بين الطوائف المتنازعة في أصول دينها وكثير من فروعه من أهل الأصول والفروع). وقال: (وقد ظهر بذلك أن المفترقين المختلفين من الأمة إنما ذلك بتركهم بعض الحق الذي بعث الله به نبيه، وأخذهم باطلا يخالفه واشتراكهم في باطل يخالف ما جاء به الرسول وهو من جنس مخالفة الكفار للمؤمنين... فإذا اشتركوا في باطل خالفوا به المؤمنين المتبعين للرسل نسوا حظا مما ذكروا به فألقى بينهم العداوة والبغضاء واختلفوا فيما بينهم في حق آخر جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فآمن هؤلاء ببعضه وكفروا ببعضه والآخرون يؤمنون بما كفر به هؤلاء ويكفرون بما يؤمن به هؤلاء وهنا كلا الطائفتين المختلفتين المتفرقتين مذمومة وهذا شأن عامة الافتراق والاختلاف في هذه الأمة وغيرها)
وقال أيضا: (وكذلك جعل الله مصدره أي : الاختلاف البغي... لأن البغي مجاوزة الحد وذكر هذا في غير موضع من القرآن ليكون عبرة لهذه الأمة ...)
وقال أيضا: (وجماع الشر الجهل والظلم قال تعالى:{و َحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب : 72])

السبب الثالث: الغلو في الدين :

إن من أعظم أسباب الوقوع في الابتداع الغلو في الدين قال شيخ الإسلام شيخ الإسلام ابن تيمية: (فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام أو السنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضا من الإسلام والسنة حتى يدعي السنة من ليس من أهلها... وذلك بأسباب منها الغلو الذي ذمه الله في كتابه)
وهو على أقسام:
1- الغلو في الأشخاص كالأنبياء والصالحين والأئمة وسبب هذا الغلو ضلت طوائف وعلى وجه الخصوص الروافض والصوفية والقبورية قال شيخ الإسلام: (قد وقع في الغلو طوائف من المتعبدة والمتصوفة حتى خالط كثير منهم مذهب الحلول والاتحاد ما هو أقبح من قول النصارى أو مثله أو دونه)
2- الغلو في الدين قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} المائدة (77) وقال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} النساء.
وروى الإمام البخاري برقم (6830) عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)) وروى أبو داود برقم (4806)عن مطرف قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا فقال: ((السيد الله تبارك وتعالى )) قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا فقال: ((قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان)) وروى الإمام مسلم برقم (2670) عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((هلك المتنطعون)) قالها ثلاثا أي: المتجاوزون الحدود المتعمقون في أحوالهم. فالغلو مذموم في الشرع الحنيف ولو كان مقصورا على الشخص نفسه فكيف إذا تعدى إلى غيره وصار أهل الغلو دعاة إلى غلوهم وكيف إذا كان الغلو في العقيدة كحال الرافضة والصوفية والخوارج. فالغلو يؤدي بأصحابه إلى الخروج عن السنة كحال من ذكرنا، وكل متجاوز للحق لابد أن يكون غاليا من جهة الإفراط جافيا من جهة التفريط، والسلامة بينهما.
وعلى كل: الغلو مدركة الهلاك كما سبق في حديث ابن مسعود، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (هات إلقط لي فلقطت له حصيات هن حصى الخذف فوضعهن في يده فقال: (( بأمثال هؤلاء مرتين وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين))
وليس المتمسك بدين الله على طريقة السلف من أهل الغلو كما تصوره الفرق المميعة للإسلام وكما تصوره الجهات الكافرة تارة باسم الأصوليين وتارة باسم المتطرفين وتارة إرهابيين، والحقيقة أن هذه الجهات ترى أن الإسلام نفسه دين تطرف، بل أعلنت أنه دين إرهابي وليس هذا بغريب من هؤلاء لأن دين الإسلام هو عدوهم الأكبر، فعليك بالتمسك بدينك الذي ارتضاه الله لك من غير إفراط ولا تفريط وليقولوا ما شاءوا.

السبب الرابع: التكالب على الدنيا:
تكالب أهل البدع على الدنيا أمر ظاهر وإن غطى بعضهم ذلك باسم نشر الدين ودعوى فعل الخير من بناء مساجد وكفالة أيتام وحفر آبار ونحو ذلك.
والتكالب على الدنيا بلية علماء أهل الكتاب قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ } [التوبة : 34]. وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ)} فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }[الأعراف : 169]
وهي بلية علماء السوء في هذه الأمة وهو ما كان يخشاه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وقد روى البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أبشروا وأملوا فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم)) وقد كان الإقبال على الدنيا من أسباب الوقوع في الفتن الأولى فقد جاء في مسائل الإمام أحمد رواية ابن هاني 2/171 بسند صحيح أن عبد الله بن عمر قال: (جاءني رجل من الأنصار في خلافة عثمان يكلمني فإذا هو يأمرني في كلامه بأن أعيب على عثمان وإنَّ والله ما نعلم عثمان قتل نفسا بغير حق ولا جاء من الكبائر شيئا ولكن هو هذا المال فإن أعطاكموه رضيتم وإن أعطاه أولي قرابته سخطتم).
قال شيخ الإسلام شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن أسباب الفتنة والأهواء في نشأتها الأولى في آخر عهد عثمان التنافس في الدنيا من ذلك الجيل الناشئ من الأمم الحديثة العهد والأعراب ونحوهم)
ولو سيرت طرفك في أوساط المسلمين في الزمن الماضي والحاضر لرأيت كثيرا ممن تعثر في الطريق بسبب الطمع في المال أو الجاه، فمن فتح على نفسه هذا الباب كثر تقلبه وتلونه وهان عليه أمر دينه قال العلامة ابن القيم: (كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها فلابد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه وفي خبره وإلزامه لأن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس ولاسيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشهوات فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرا فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهم ذلك إلا بدفع ما يضادّه من الحق... وهؤلاء لابد أن يبتدعوا في الدين مع الفجور في العمل فيجتمع لهم الأمران فإن إتباع الهوى يعمي عين القلب فلا يميز بين السنة والبدعة، أو ينكسه فيرى البدعة سنة والسنة بدعة، فهذه آفة العلماء إذا آثروا الدنيا واتبعوا الرياسات والشهوات ...)ا.هـ

السبب الخامس: الإعجاب بالنفس والاغترار بها:
إن العجب والغرور ليدبان في بعض الناس فيبلغان فيهم مبلغا لا يتصور ويكون ذلك من أسباب وقوع الشخص في الابتداع في الدين وإليك ما علم من حال هؤلاء:
روى عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" 2/436 بإسناد حسن عن أبي عوانة قال: (ما رأيت عمرو بن عبيد وجالسته قط إلا مرة واحدة قال: فتكلم وطول ثم قال حين فرغ: لو نزل ملك من السماء ما زادكم على هذا). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 3/184: (وقد روي أن واصلا تكلم مرة بكلام فقال عمرو بن عبيد: لو بعث نبي ما كان يتكلم بأحسن من هذا).
ومن ذلك قول الزمخشري في مدحه لكشافه:
إن التفاسير في الدنيا بلا عـدد وليس فيها لعـمري مثل كشـافي
إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته فالجهل كالداء والكشاف كالشافي
ولا يخفاك أن الزمخشري قد شحن كتابه "الكشاف" بالعقيدة الاعتزالية إلى جانب ما فيه من أحاديث ضعيفة ومكذوبة وأقوال شاذة فاحذر الاغترار بمادة هذا الكتاب.
ومن اغترار أهل البدع تسميتهم كتبهم بأسماء توحي بأن مضمون الكتاب على منهج النبوة والحقيقة خلاف ذلك لما فيه ما يفسد العقول ويزيغ القلوب ومن ذلك تسمية الرازي تفسيره بمفاتيح الغيب ومن ذا الذي عنده مفاتيح الغيب سوى الله قال تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام، ولقد قال أبو حيان في تفسير الفخر الرازي: (فيه كل شيء إلا التفسير).
وأيضا تسمية ابن سيناء كتابه "القانون في الطب" بـ "الشفاء" وما أدراك ما الشفاء؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (كان يقال أبو حامد – أي الغزالي - أمرضه الشفاء). قلت: لما فيه من مفاسد عظيمة في المباحث الفلسفية.
ومن ذلك أيضا "الأنوار القدسية" للشعراني، وإنما هي ظلمات بعضها فوق بعض وكيف لا وقد احتوى على الشرك والخرافة بأنتن صورها.
ومن ذلك "معارج القدس" لأبي حامد الغزالي مُلئ بالزندقة والحلول والاتحاد، وكتابه "إحياء علوم الدين" هو في الحقيقة هدم لعلوم الدين، وقد شحنه بالأحاديث الموضوعة ناهيك عن الضعيفة ودبجه بالعقائد الصوفية والشطحات الخرافية ودس فيه الفلسفة فلا خير فيه للإسلام وأهله، ولقد أفتى بإحراقه كثير من العلماء، ولا يصلح له إلا ذلك.
وبسبب هذا التيه والعُجب في علماء البدع يكابرون ويصرون على ما هم عليه من تناقض وانحراف قال العلامة القاسمي وهو يتحدث عمن أصيب بهذا الداء: (ولكن إذا أصيب بداء المكابرة في الحق الصراح صعب إقناعه مهما قوي الدليل وعظمت الحجة)
ولفساد حالهم هذا عظم احتقارهم لعلماء الحديث بل حتى وللأدلة الشرعية بحيث صاروا يرون أن استدلالهم بالآيات والأحاديث للاعتضاد كما ذكرنا هذا في هذا السفر، فتيه أئمة البدع علامة واضحة على جهلهم فإن علماء الإسلام يعرفون بالتواضع والاعتراف بالنقص في العلم والعمل، ويتأسفون لما فاتهم من خير، ولا يغيب عن ذهنك أن العجب والغرور من موجب الهلاك إلا أن يتدارك الله برحمته من يشاء قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لو لم تكونوا تذنبون لخشيت عليكم ما هو أكبر منه : العجب))

السبب السادس: الأخذ ببعض الحق وترك بعضه:
متى أخذ المسلمون ببعض الحق وتركوا البعض الآخر ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء قال الله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }[المائدة : 14]، ومعنى نسوا: تركوا العمل عمدا. وقال الله في اليهود بعد أن ذكر أنه حرم عليهم سفك دماء بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم فلم يلتزموا بذلك قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة :85 - 86]، وقد حذرنا الله من هذا الذي وقع فيه اليهود والنصارى فقال: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ } [آل عمران : 105].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولا تقع الفتنة إلا من ترك ما أمر الله به فإنه سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر فالفتنة إما من ترك الحق وإما من ترك الصبر)
وقال أيضا: (فإن اتباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل الذي يحبه ورد القول والفعل الذي يبغضه بلا هدى من الله... ولهذا كان السلف يسمون أهل البدع والتفرق المخالفين للكتاب والسنة أهل أهواء حيث قبلوا ما أحبوه وردوا ما أبغضوه بأهوائهم بغير هدى من الله)
وقال أيضا: (وإنما جماع الشر تفريط في حق أو تعد إلى باطل وهو تقصير في السنة أو دخول في البدعة كترك بعض المأمور وفعل بعض المحظور أو تكذيب الحق وتصديق بباطل، ولهذا عامة ما يؤتى الناس من هذين الوجهين، فالمنتسبون إلى أهل الحديث والسنة والجماعة يحصل من بعضهم كما ذكرت تفريط في معرفة النصوص أو فهم معناها أو القيام بما تستحقه من الحجة ودفع معارضها فهذا عجز وتفريط في الحق وقد يحصل منهم دخول في باطل إما في بدعة ابتدعها أهل البدع وافقوهم عليها واحتاجوا إلى إثبات لوازمها وإما في بدعة ابتدعوها هم لظنهم أنها من تمام السنة كما أصاب الناس في مسألة كلام الله وغير ذلك من صفاته)
وقال العلامة ابن الوزير رحمه الله تعالى: (فإن قيل فمن أين جاء الاختلاف الشديد؟ فاعلم أن منشأ معظم البدع يرجع إلى أمرين واضح بطلانهما فتأمل ذلك بإنصاف وشد عليه يديك ، وهذان الأمران الباطلان هما: الزيادة في الدين بإثبات ما لم يذكره الله تعالى ورسله عليهم السلام من مهمات الدين الواجبة. والنقص منه بنفي بعض ما ذكره الله تعالى ورسله من ذلك بالتأويل الباطل)

السبب السابع: تعظيم كلام أعداء الإسلام:
الذي ينظر بدقة إلى حال دعاة الباطل مع كلام أعداء الإسلام يرى أن عندهم حسن ظن بهم من جهة وجهل بحال أولئك ونوازعهم وتناقضاتهم ومقاصدهم من جهة أخرى أما حسن ظنهم بهم فقد أورثهم: التغطية لعيوب أولئك الأعداء وجعلهم فوق منـزلتهم ولما فعلوا ذلك استبعدوا غاية الاستبعاد أن يكون أعداؤهم هؤلاء قد جانبوا الحكمة والصواب. وأما الجهل بحقيقة ما هم عليه فقد جرهم إلى حمل كلام أعدائهم على صورة توافق ما هم عليه ، وهي على غير ذلك، فكانوا مخطئين من الجهتين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولكن دخلت الشبهة في ذلك بأن قوما كان لهم ذكاء تميزوا به في أنواع من العلوم إما طبيعية كالحساب والطب وإما شرعية كالفقه مثلا وأما الأمور الإلهية فلم يكن لهم بها خبرة كخبرتهم بذلك وهي أعظم المطالب وأجل المقاصد فخاضوا فيها بحسب أحوالهم وقالوا فيها مقالات بعبارات طويلة مشتبهة لعل كثيرا من أئمة المتكلمين بها لا يحصلون حقائق تلك الكلمات ولو طالبتهم بتحقيقها لم يكن عندهم إلا الرجوع إلى تقليد أسلافهم فيها وهذا موجود في منطق اليونان وإلهياتهم وكلام أهل الكلام من هذه الأمة وغيرهم يتكلم رأس الطائفة كأرسطو مثلا بكلام وأمثاله من اليونان بكلام وأبي الهذيل والنظام وأمثالهما من متكلمة أهل الإسلام بكلام ويبقى ذلك الكلام دائرا في الأتباع يدرسونه كما يدرس المؤمنون كلام الله، وأكثر من يتكلم به لا يفهمه وكلما كانت العبارة أبعد عن الفهم كانوا لها أشد تعظيما وهذا حال الأمم الضالة كلما كان الشيء مجهولا كانوا أشد له تعظيما كما يعظم الرافضة المنتظر الذي ليس لهم منه حس ولا خبر ولا وقعوا له على عين ولا أثر، وكذلك تعظيم الجهال من المتصوفة ونحوهم للغوث وخاتم الأولياء ونحو ذلك مما لا يعرفون له حقيقة... ويسمونها عقليات وإنما هي عندهم تقليديات قلدوا فيها أناسا يعلمون أنهم ليسوا معصومين وإذا بين لأحدهم فسادها لم يكن عنده ما يدفع ذلك بل ينفي تعظيمه المطلق لرؤوس تلك المقالة ثم يعارض ما تبين لعقله فيقول كيف يظن بأرسطو وابن سيناء وأبي الهذيل أو أبي علي الجبائي ونحو هؤلاء أن يخفى عليهم مثل هذا أو أن يقول مثل هذا... وهذا القدر قد تبينته من الطوائف المخالفين للكتاب والسنة ولو في أدنى شيء ممن رأيت كتبهم وممن خاطبتهم وممن بلغني أخبارهم إذا أقيمت على أحد هم الحجة العقلية التي يجب على طريقته قبولها ولم يجد له ما يدفعها به فر إلى التقليد ولجأ إلى قول شيوخه وقد كان في أول الأمر يدعو إلى النظر والمناظرة والاعتصام بالعقليات والإعراض عن الشرعيات ثم إنه في آخر الأمر لا حصل له علم من الشرعيات ولا من العقليات بل هو كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ }[الحج : 3]، وكما قال الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ }[الحج : 8]، وكما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام : 110]، وكما قال : {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }[الفرقان : 44] الفرقان، وكما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان : 27 - 28]، وكما قال تعالى: {يوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب : 67].
وهذه النصوص فيها نصيب لكل من اتبع أحدا من الرؤوس فيما يخالف الكتاب والسنة سواء كانوا من رؤوس أهل النظر والكلام والمعقول والفلسفة، أو رؤوس أهل الفقه والكلام في الأحكام الشرعية أو من رؤوس أهل العبادة والزهادات والتأله والتصوف أو من رؤوس أهل الملك والإمارة والحكم والولاية والقضاء)
قلت: و مما نشاهده في عصرنا أن دعاة التحزب يأخذون كلام الأعداء ويسلمون به على ظاهره وأولئك الأعداء قد أعدوا ما ينقضه تارة وتارة يأتون بكلام له أكثر من احتمال وينقله المثقفون على المعنى الذي يقرب من الإسلام في نظرهم وأولئك الأعداء يقولون لهم لا نريد كذا وكذا يعني مما يخالف الإسلام فيظهر للمناظرين أنه يخالف الإسلام فيقومون بتأويل كلام الأعداء حتى يظهروا للأعداء أنهم قد حرصوا على مرادهم ويظهروا للمسلمين أنهم أذكياء يقدرون على التوفيق بين الحق وبين الباطل والحق أنها طريقة المنافقين قال الله فيهم: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً }[النساء : 62]. وأضرب لذلك مثالا واحدا: بدأ دعاة التحزب قائلين إن الديمقراطية نظام كفري وثني وهي كذلك ثم قالوا بعد ذلك هي على قسمين صحيح وفاسد فنظرنا الصحيح على حد زعمهم فإذا هو الفاسد الذي قالوا فيه أنه وثني. وبلية دعاة الباطل أنهم لا يثبتون على شيء فهم في تقلب ماداموا على هذا الطريق.

السبب الثامن: الإهمال لمقاصد الشريعة:
من أسباب وقوع المبتدعين في البدع جهلهم بمقاصد الشريعة الإسلامية ولا بد من معرفة ذلك لما لها من أهمية عظيمة.
قال العلامة السعدي في "مجموع الفوائد واقتناص الأوابد" ص (231): (من أعظم الطرق التي يعرف بها كمال الشريعة وأنها مشتملة على مصالح العباد في دينهم ودنياهم ومعاشهم ومعادهم معرفة مقاصد الشارع والصفات التي رتب عليها الأحكام الكلية والجزئية ومعرفة الحكم والأسرار في العبادات والمعاملات والحقوق وتوابع ذلك فكلما كان العبد بذلك أعرف عرف بذلك من جلالة الشريعة الإسلامية وهيمنتها وشمولها للخيرات والبركات والعدل والإحسان ونهيها عن كل ما ينافي ذلك ويضاده).
وقال العلامة ابن القيم في "روضة المحبين" ص (24-25): (فما حرم الله على عباده شيئا إلا عوضهم خيرا منه كما حرم عليهم الاستقسام بالأزلام وعوضهم منه دعاء الاستخارة وحرم عليهم الربا وعوضهم منه بالتجارة الرابحة وحرم القمار عليهم وأعاضهم عنه بالمسابقة النافعة في الدين بالخيل والإبل والسهام وحرم عليهم الحرير وأعاضهم منه أنواع الملابس الفاخرة من والصوف والكتان والقطن ، وحرم عليهم الزنا واللواط وأعاضهم منهما بالنكاح والتسري بصنوف النساء الحسان، وحرم عليهم شرب المسكر وأعاضهم عنه بالأشربة اللذيذة النافعة للروح والبدن، وحرم عليهم سماع آلات اللهو من المعازف والمثاني وأعاضهم عنها بسماع القرآن والسبع المثاني، وحرم عليهم الخبائث من المطعومات وأعاضهم عنها بالمطاعم الطيبات، ومن تلمح هذا وتأمله هان عليه ترك الهوى المردي واعتاض عنه بالنافع المجدي وعرف حكمة الله ورحمته وتمام نعمته على عباده في ما أمرهم به ونهاهم عنه ...).
وقال في كتابه "شفاء العليل" ص (414): (ومن أعجب العجب أن تسمح نفس بإنكار الحكم والعلل الغائية والمصالح التي تضمنتها هذه الشريعة الكاملة التي من أدل الدليل على صدق من جاء بها... ولو لم يأت بمعجزة سواها لكانت كافية شافية فإن ما تضمنته من الحكم والمصالح والغايات الحميدة والعواقب السديدة شاهدة بأن الذي شرعها وأنزلها أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين ...).
وقال في المصدر نفسه ص (483): (ثم تأمل أبواب الشريعة ووسائلها وغاياتها كيف تجدها مشحونة بالحكم المقصودة والغايات الحميدة التي شرعت لأجلها التي لولاها لكان الناس كالبهائم بل أسوأ حالا ...).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (... لكن العلم بصحيح القياس وفاسدة من أجل العلوم وإنما يعرف ذلك من كان خبيرا بأسرار الشرع ومقاصده وما اشتملت عليه شريعة الإسلام من المحاسن التي تفوق التعداد وما تضمنته من مصالح العباد في المعاش والمعاد وما فيها من الحكمة البالغة والرحمة السابغة والعدل التام والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب)
وقال أيضا: (ومن أنكر أن يكون للفعل صفات ذاتية لم يحسن إلا لتعلق الأمر به وأن الأحكام بمجرد نسبة الخطاب إلى الفعل فقط فقد أنكر ما جاءت به الشرائع من المصالح والمفاسد والمعروف والمنكر وما في الشريعة من المناسبات بين الأحكام وعللها وأنكر خاصة الفقه في الدين الذي فيه معرفة حكمة الشريعة ومقاصدها ومحاسنها)
وقال العلامة ابن القيم رحمة الله عليه: (بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف مالا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي إلا به فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل.
وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله: (... وبالجملة فالمصالح التي عليها مدار الشرائع ثلاث: الأولى: درء المفاسد المعروف عند أهل الأصول بالضروريات. والثانية: جلب المصالح المعروف عند أهل الأصول بالحاجيات. والثالثة: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات... وكل هذه المصالح الثلاث هدى فيها القرآن العظيم إلى الطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها ...)
وقال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" 1/7: (ومعظم مقاصد القرآن الأمر باكتساب المصالح وأسبابها والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها) .
وخلاصة الكلام : أن الشريعة الإسلامية جاءت بكل خير فلا خير إلا فيها وبدونها فلا خير، وحذرت من كل شر فلا شر على حقيقته إلا فيما كان ضدها ومخالفا لها فما أمر الله بأمر إلا لمصلحة محضة للعبد المأمور أو غالبة راجحة، ولا نهى عن شيء إلا وهو مفسدة محضة أو غالبة راجحة قال تعالى: {صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} [البقرة : 138].
وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة : 50]، فأهل البدع والضلالات والتحزبات أجهل الناس بمقاصد الشريعة إذ لو علموا ذلك لما وقعوا فيما وقعوا فيه ولما صرح بعضهم بإنكار حكمة الله في شرعه ونفى التعليل لأحكامه فهي مكابرة منهم أساسها الجهل وهو العدو الأكبر.

السبب التاسع: العجمة:
إن البقاء على العجمة لمن كان مسلما له آثار سيئة فكيف بمن سار مدعيا للعلم الشرعي ويتكلم عن الإسلام وباسم الإسلام فالبقاء على هذا محذور له عواقب وخيمة وقد حذر من ذلك العلماء قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله أو لأهل الدار للرجل مع أصحابه أو لأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم وهكذا كانت خراسان قديما، ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ولا ريب أن هذا مكروه إنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور فيظهر شعار الإسلام وأهله ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق، وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)
وقال الشافعي رحمه الله: (ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا بتركهم لسان العربية وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس). وقال الحسن البصري: (أهلكتهم العجمة يتأولون القرآن على غير تأويله)
قلت: ومن المعلوم أن بدعة القدر كانت بسبب العجمة وقد كان السلف يحذرون من رطانة الأعاجم أشد التحذير ويرون أن هذا يورث النفاق لمن كان يقدر على التكلم بالعربية
وقد ابتلي كثير من أبناء المسلمين في عصرنا بتعلم اللغات اليهودية والنصرانية مع جهلهم باللغة العربية فأدى هذا إلى عواقب وخيمة وسيرة ذميمة فالجهل اللغة العربية يؤدي إلى الجهل بالألفاظ الشرعية وأحكام الشريعة وإلى الفهم المحرف للنصوص ، ولا يفهم أننا نكره العجم لذاتهم فإن الله يقول: {إإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وقد نفع الله بهم الإسلام نفعا عظيما كما هو معلوم .

السبب العاشر: التلقي من مصادر غير موثوقة:
اعلم أخي القارئ الكريم أن كثيرا من البدع التي أحدثت في الدين إنما أخذت من الكفار على اختلاف مشاربهم من يهود ونصارى ومجوس إما من كتبهم أو منهم مشافهة لكثرة الاختلاط بهم وسنذكر ما يدل على ما قلنا:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (كل مبتدع خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتبع إلا دينا مبدلا أو منسوخا)
وقال أيضا وهو يتكلم عن أهل التعطيل وأصولهم: (مأخوذ عن المشركين والصابئة من البراهمة والمتفلسفة ومبتدعة أهل الكتاب الذين يزعمون أن الرب ليس له صفة ثبوتية أصلا ...)
وقال أيضا: (ودخل بعض أهل الكلام والجدل من المنتسبين إلى الإسلام من المعتزلة ونحوهم إلى بعض مقالة الصابئة والمشركين متابعة للجعد والجهم ...)
وقال أيضا: (فنقل أرباب المقالات الناقلون لاختلاف الفلاسفة في الباري ما هو قالوا: قال سقراط وأفلاطون وأرسطو: إن الباري لا يعبر عنه إلا به فقط وهو الهوية المحضة غير المتكثرة ... وهو الأيس الذي لا يحيط به الذهن ولا العقل ولا يجوز عليه التغير ولا الصفة ولا العد... ولا الوقت ولا المكان ولا الحدود ولا يدرك بالحواس ولا بالعقول من جهة غاية الكنه ...) وهذه الشقشقة الفلسفية صارت أصولا عند أهل الكلام كالمعتزلة وغيرهم.
وقال الرازي: (ونختم هذا الباب بما روي عن أرسطاطاليس أنه كتب في أول كتابه في الإلهيات: من أراد أن يشرع في المعارف الإلهية فليستحدث لنفسه فطرة أخرى) قال الرازي: (وهذا كلام موافق للوحي والنبوة)
كذا قال الرازي ولا صلة لهذا الكلام بالوحي والنبوة، وحال الرازي المتحير ينبئك عما وصل إليه بسبب قبوله لكلام هؤلاء.
وقال صاحب كتاب "التصوف المنشأ والمصدر": (إن التصوف وليد الأفكار المختلفة من الإسلام واليهودية والمسيحية والمانوية والمجوسية والمزدكية وكذلك الهندوكية والبوذية وقبل ذلك من الفلسفة اليونانية).
وهذا إبراهيم بن أدهم لما أتى راهبا وسمع منه ورأى حاله تأثر به فقال: (فوقر في قلبي المعرفة) مصادر التلقي عند الصوفية ص (30)
وأخرج ابن عساكر 48/192 عن الأوزاعي قال: (أول من نطق بالقدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد ) وقال ابن حبان في مقاتل ابن سليمان الذي كان يشبه الله بخلقه: (كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم وكان مشبها يشبه الرب بالمخلوقين وكان مع ذلك يكذب في الحديث).
قلت: تشبيه ربنا بالمخلوق البشري طريقة اليهود فإنهم قالوا: (إن الله فقير) وقالوا: (يد الله مغلولة) قبحهم الله، وقال أبو طالب المكي: (روينا عن عيسى بن مريم أنه قال: أجيعوا أكبادكم وعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى الله) فهذا النص يبين أنما تدعيه الصوفية من حضور الحضرة القدسية الإلهية إنما هو مأخوذ من هذه الرواية وأمثالها مما لا خطام له ولا زمام وإنما هو من دين النصارى المحرفين.
ومثله ما قال أبو طالب أيضا: (إن عيسى مر على قوم يعبدون الله خوفا من ناره وآخرين يعبدون الله شوقا إلى الجنة وفريقا ثالثا يعبدون الله حباً له فقال للأول والثاني: مخلوقا خفتم ومخلوقا أحببتم، وقال للفريق الثالث: أنتم المقربون)
ولما ظهرت هذه الزندقة قال علماء السنة: (من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ومن عبد الله بالرجاء فهو مرجئ ومن عبد الله بالخوف فهو حروري ومن عبد الله بالحب والرجاء والخوف فهو موحد)
وقد ذكر صاحب كتاب "مصادر التلقي عند الصوفية" ص (41): (إن التمايل والتصفيق والضرب بالدف والمزامير والرقص الموجود عند الصوفية مأخوذ من التوراة).
وذكر صاحب الكتاب المذكور أن الغناء الصوفي مأخوذ من النرفانا الهندية. وقال أيضا: (يكاد الباحثون أن يجمعوا على عد المسيحية واليهودية والهندية واليونانية... أنها من مصادر التلقي لدى الصوفية). وذكر صاحب كتاب "لله ثم للتاريخ" (ص/13) الدكتور حسين الموسوي من علماء النجف قائلا: (إن عبد الله بن سبأ هو أول من قال إن علي بن أبي طالب وصي النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نقل هذا القول عن اليهودية ، وأنه ما قال هذا إلا محبة لأهل البيت ودعوة لولايتهم والتبرؤ من أعدائهم – وهم الصحابة ومن والاهم بزعمه - ودعا آل البيت إلى التبرؤ من أعدائهم وهم الصحابة، وادعى رجعة علي).
وذكر الموسوي في نفس الكتاب ص (81-82) : (إن ادعاء الرافضة أن القرآن محرف مأخوذ من اليهود والنصارى حيث كان اليهود يتواجدون في طبرستان).
ومراد الموسوي أن يهود طبرستان تواطئوا على اختلاق روايات تتحدث عن تحريف القرآن فتلقَّت الرافضة ذلك عنهم.
وذكر اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" 3/421-425 قائلا: (أن أول من قال بخلق القرآن الجهم بن صفوان وكان دهريا وقد قتل من أجل القول بخلق القرآن).
وقال في نفس المصدر (3/425-426): (إن بشر بن غياث المريسي كان صباغا يهوديا في العراق وهو خليفة الجعد بن درهم في القول بخلق القرآن).
وذكر الموسوي أيضا في كتابه "لله ثم للتاريخ" (61-67) عدة كتب تدعي الرافضة أنها من عند الله وهي:
1- الجامعة صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإملائه... فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش.
2- صحيفة الناموس وفيها أسماء الشيعة إلى يوم القيامة وأسماء أعدائهم إلى يوم القيامة.
3- صحيفة العبيطة وفيها أسماء قبائل العرب.
4- صحيفة ذؤابة السيف .
5- صحيفة علي وفيها الكلام على قتلته وعلى أعدائه.
6- الجفر وهو نوعان : الجفر الأبيض والجفر الأحمر وفيه زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم والأحمر فيه السلاح يعني قتل العرب وهلاكهم.
7- مصحف فاطمة عليها السلام أنزله الله عليها وهو مثل قرآننا ثلاث مرات.
8- التوراة والإنجيل والزبور بالسريانية.
وبعد أن تكلم الموسوي على هذه الصحف والكتب قال: (فالقول بأن أمير المؤمنين حاز كتبا متعددة وأن هذه الكتب كلها من عند الله وأنها كتب حوت قضايا شرعية هو قول باطل أدخله إلينا بعض اليهود الذين تستروا بالتشيع). قلت: كونها من دسائس اليهود واضح جدا خصوصا عند ذكر كتب اليهود والنصارى من التوراة والإنجيل وغير ذلك.
ولله در ابن عيينة حيث قال: (من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى).
واعتبر أيضا بما جرى في عصرنا هذا فقد تلقى المبتدعون والمتحزبون من الملة اليهودية والنصرانية كثيرا وأرسوها حتى صارت تدرس في كتب بعض الجامعات في بلاد المسلمين ومن ذلك النظام الديمقراطي والديمقراطية معناها حكم الشعب بالشعب وحقيقتها الحكم للأغلبية في مجلس التشريع والديمقراطية تقوم على أربع حريات كل واحدة منهن تؤدي إلى هدم الإسلام:
‌أ- حرية الاعتقاد ومعناها كن مسلما أو يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا فأنت حر في ذلك كله في النظام الديمقراطي بلا نكير والله يقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[آل عمران : 85] مع أن المشاهد يثبت أن مراد أعدائنا من هذا النظام إخراج المسلم من دينه.
‌ب- حرية الرأي وهي تعني أن الشخص يعبر عما يريد دون أن يتقيد بالأحكام الشرعية باعتبار أنه ديمقراطي ولو حصل منه سب لله أو رسوله أو دينه.
‌ج- الحرية الشخصية وهي أن الشخص مطلق له أن يلبي غريزته كيف شاء حلالا أو حراما.
‌د- الحرية الاقتصادية: وحقيقتها أن ينطلق المسلم في اكتساب الأموال من كل باب فلا يراعي حراما ولا حلالا.
وخلاصة ما تلقاه أهل البدع والضلالات من قبل الكفار جملة الأشياء الآتية:
1- التعطيل لأسماء الله.
2- التشبيه للخالق بالمخلوق.
3- القول بالقدر وهو القول بأن الله لم يقدر الخير والشر وبعضهم يقول لم يقدر الشر فقط.
4- القول بخلق القرآن.
5- القول بالحلول والاتحاد.
6- القول بالغناء والحضرة القدسية.
7- القول بأن العباد المقربين عند الله هم الذين لا يخافونه ولا يرجونه وإنما يحبونه.
8- القول بأن الله في كل مكان.
9- القول برجعة الأموات إلى الدنيا قبل قيام الساعة.
10-القول بأن عليا رضي الله عنه وصي الرسول  وخاتم الأوصياء.
11- القول بأن النبوة حلت في علي رضي الله عنه وذريته.
12- القول بأن عليا هو الله تعالى الله عما يقول الزنادقة علوا كبيرا.
13- القول بأن أهل البيت نزلت عليهم كتب من السماء.
14- الرقص والغناء والموالد والحضرات.
15- بناء القباب والضرائح على بعض الموتى.
16- الغلو في الأنبياء والغلو في الأولياء والأئمة وجعلهم في مرتبة الأنبياء بل حقيقة الأمر أنهم جعلوهم يزاحمون الله في ربوبيته وألوهيته.
17- التسمية للأولياء بالأقطاب والأوتاد والنجباء والطيارين.
18- قبول الحزبية التي جاءت من قبل أمريكا.
19- قبول الديمقراطية .
20- قبول النظريات التي مبناها على التجارب والتخمين وبعضها على الاختراع المكذوب.
21- تلقي بعض الكُتّاب الإسلاميين للطعن في الإسلام من قبل المستشرقين والتسليم بأنها بحوث علمية.

السبب الحادي عشر: اقتراف الذنوب:
إن الذنوب لها عواقب وخيمة فمن الذي أخرج أبانا آدم من الجنة إلا لقمة نهي عنها وما سبب طرد إبليس من رحمة الله إلا سجدة أمر بها فامتنع عنها ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما تودّ اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه)) فكم للذنوب من رزايا وبلايا لا يعلمها إلا الله.
وقد ذكر العلامة ابن القيم في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" عواقب وخيمة كثيرة للذنوب فانظره فإنه مهم جدا، وكفى بيانا لخطر الذنب قوله تعالى: {َلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[النور : 63]، اللهم سلم سلم وهي من أسباب الوقوع في البدع قال الله تعالى: {إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال : 29]، فمفهوم الآية أن من لم يتق الله لم يجعل له نور ولا فرقان يميز به بين الحق والباطل والسنة والبدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون عن الأمر والنهي فيكون ذلك من ذنوبهم وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم فيحصل التفرق والاختلاف والشر وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا إذ الإنسان ظلوم جهول والظلم والجهل أنواع فيكون ظلم الأول وجهله من نوع وظلم كل من الثاني والثالث وجهلهما من نوع آخر وآخر ومن تدبر الفتن الواقعة رأى سببها ذلك ورأى أنما وقع بين أمراء الأمة وعلمائها ومن دخل في ذلك من ملوكها ومشائخها ومن تبعهم من العامة من الفتن هذا أصلها يدخل في ذلك أسباب الضلال والغي التي هي الأهواء الدينية والشهوانية وهي البدع في الدين والفجور في الدنيا ... وهي مشتركة تعم بني آدم لما فيهم من الظلم والجهل)

السبب الثاني عشر: وجود دسيسة في قلب العبد:
روى البخاري 11/607رقم (4202) ومسلم 16/163 برقم (112)من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)) وفي البخاري ((وإنما الأعمال بالخواتيم)).
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس... ومن هنا كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ويشتد قلق

حسين

عدد المساهمات : 209
تاريخ التسجيل : 31/10/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى