قانون الطفل.. ومسخ الهوية بقلم: سيد نزيلي
صفحة 1 من اصل 1
قانون الطفل.. ومسخ الهوية بقلم: سيد نزيلي
قلنا في مقالٍ سابق- ونحن نُعالج قضية الطفل من خلال مقررات وتوصيات هيئة الأمم المتحدة- إن هذه المؤتمرات التي تنظمها الهيئة، إنما تصدر عن عقلية وذهنية تنطلق من توجهات الغرب الأوروبي ومنطلقاته، وجذوره الفكرية المخالفة بالضرورة لقيم ومبادئ ومنطلقات العالم العربي والإسلامي.
وأن الهيئةَ قد صارت أداةً طيعةً في يد البعض من مبشري النظام العالمي الجديد، وقد استثمروا قضايا المرأة والطفل، فأصدروا دينًا جديدًا ليكون مرجعيةً قانونيةً، وهي في الحقيقة لا تعكس إلا تصورات ثقافية واحدة، وهي الثقافة الغربية التي فتحت الباب واسعًا أمام ثقافة التحلل من القيم والموازين، وإشاعة الفواحش والإباحية الجنسية؛ تلك البضاعة التي راجت هناك عندهم يوم تمَّ فصل الدين عن الحياة وانعزلت المواريث الاجتماعية والأخلاقية للناس عن دين الأمة وثوابتها، وهذا بالضبط ما يتم الترويج له عندنا والتسويق والتبشير له في بلاد العرب والمسلمين.
فليست هذه القيم المراد صبغ القوانين والشرائع بها في العالم الإسلامي والعربي إلا ثمرة من ثمرات العولمة، بحيث تكون قيم الغرب ونظرته في الحياة انعكاسًا لرؤيته وموازينه، ولا يكون للدين الإسلامي أي دورٍ أو مجال في واقع حياة المسلمين، خاصةً في مجال المرأة والطفل، بل وفي كل شئون الحياة، وبحيث يضغط الإمبراطور الأمريكي على زر (مفتاح) فينطلق العالم كله شرقه وغربه.. يرقص ويغني ويلهو ويعبث ويترنح وفق ما يريد الإمبراطور ويهوى.. ولا يتأتى ذلك إلا بتوحيد مصادر القيم وجذور التصورات وثوابت الفكر والحركة التي يحددها الغرب.
وبنظرة سريعةٍ على مسودة تعديل قانون الطفل المصري التي أصدرها المجلس القومي لحقوق الطفل، ورغم ما يحتويه المشروع من جوانب إيجابية تمت إضافتها لملاءمة التغيرات الثقافية في المجتمع، وخاصةً ما يتعلق بالطفل المعاق إلى جانب الأبواب المخصصة لنظام العدالة، والذي يعكس هو أيضًا التغير الثقافي للمجتمع بطريقة أصبحت أكثر وعيًا بالأساليب التربوية الحديثة إلا أنه لا تزال هناك نقاطًا لا تتسق مع الميراث الثقافي والقيمي للمصريين والعرب.
لماذا الربط المحكم بالمواثيق الدولية؟!
والسؤال الأكثر إلحاحًا.. لماذا الحرص على إجراء تعديلاتٍ لقانون الطفل عندنا لإحكام المواءمة، بل إن الأمر ليس في المواءمة؛ بحيث لا نقر إلا ما يناسب حياتنا الثقافية والمواريث المُراعاة، بل تجاوز ذلك إلى إحكام هذه المواءمة ونكون (ملكيين أكثر من الملك) كما يقولون، خاصةً إذا تبيَّن لنا أن أغلب هذه المواثيق ليست فوق الشبهات؛ بل هي في أحيان كثيرة سيئة السمعة من منظور قيم ومبادئ الإسلام وموازينه.
فإذا تأملنا "وثيقة الطفل" المصدق عليها في الأمم المتحدة في 10 مايو 2002 والوثيقة المنظورة في أروقة الأمم المتحدة والمسماة (إزالة جميع أشكال التمييز ضد الطفلة الأنثى).. ويهمنا أن نشير هنا إلى بعض بنود هذه الوثيقة.. (ففي المادة 37 الفقرة 3 والمادة 44 الفقرة 4) إقرار صريح بحق الفتيان والفتيات في ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج عن طريق إتاحة خدمات الصحة الإنجابية لهم.. وتدعو إلى الحق في الشذوذ الجنسي في المادة (15) بدعوتها إلى الاعتراف بالأسر المتنوعة (أي طبيعة أو شاذة)، وهذه هي بعض انعكاسات الانحلال الخلقي والإباحية الجنسية لهذه الوثيقة المراد مواءمتها.
بعض التجليات الإباحية
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل توصي الوثيقة في الفقرة (115) بتوفير معلومات عن الصحة الجنسية للطفلة وتوفير احتياجات الصحة الإنجابية للمراهقين لتعليمهم ما أسمته الوثيقة بممارسة الجنس الآمن من خلال إطلاق حرية ممارسة الجنس في المدارس شريطةَ توفير وسائل منع الحمل أو انتشار مرض الإيدز، وفي مقابل ذلك، ومن المحزن أيضًا، أن تحارب الوثيقة الزواج المبكر ويعتبر شكلاً من أشكال العنف ضد الفتاة!!!.
كما تطلق الوثيقة في الفقرة 96 الحرية للفتيات السحاقيات مؤكدةً ضرورة الحفاظ على حق تحديد الهوية الجنسية للفتيات أن تختار الفتاة جنسها وينبني عليه تحديد التوجه الجنسي، أي اختيار جنس الشريك، كما تدعو إلى مراعاةِ حق الشاذات في التعبير عن آرائهن حول الشذوذ، وحقهن في الحصول على شريكاتٍ مثيلاتٍ في الجنس لهن.
وحتى يتم التحرر من كل القيود والموانع فإن الوثيقة في فقرتها (49) تعتبر "الدين" خاصةً في البلاد التي تعتبر الدين أساس التشريع.. تعتبره مقيدًا للحرية ويحد من فرص المساواة ويزيد العنف.. فيما تطالب الوثيقة بجهود ضخمة لتغيير المعتقدات والأعراف التي تدعو لذلك".
وتصف الوثيقة في الفقرة (48): "عذرية الفتاة بأنها نوعٌ من الكبت الجنسي واعتبرتها أحد أشكال التمييز ضد الطفلة الأنثى.
ولنا أن نقول: هل إذا انطلق الجنس والرغبة فيه لدى الفتى والفتاة.. وانطلق سُعار الجنس دون قيود أو ضوابط.. هل سيشبع ذلك الشباب؟ وهل يكون في ذلك العلاج؟
إن الرغبة الجنسية إذا تحررت من كل القيود أو الترشيد فإنها ستبقى أبدًا في جوعٍ أو عطشٍ شديدٍ لا يطفئها إلا الاتصال الجنسي المتكرر مهما كانت الظروف.. إن مزيدًا من الاختلاط والتحرر سيؤدي إلى مزيدٍ من الفساد والانحلال والشذوذ وعدم الوقوف عند حدٍّ معين في هذا السعار الجنسي اللا محدود.
ولا علاج لذلك إلا عندنا- نحن المسلمين- في المنهج الذي يضع قيودًا على الاختلاط الماجن.. والخلوة الماجنة والإباحية المطلقة، وديننا له أثر في صياغة الشباب وتربية الأجيال.. "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج".
ولكن هل اتفاقية حقوق الطفل الدولية ملزمة؟
من المعلوم أن الاتفاقية الدولية للطفل جاءت في صورةِ مبادئ عامة أو ما يُطلق عليه (اتفاقية الإطار) تشير إلى قواعد بالغة العمومية والتجريد، على أن يكون للدول الأطراف حرية وضع القواعد التشريعية المتضمنة للتفصيلات، ولكن ما يتم على أرض الواقع، مغاير لهذا، وبممارسة الضغوط من ترغيب وترهيب الحكومات مع ضغوط من المجتمع المدني، والذي يتبنى أجندة اتخاذ سلسلة من التدابير القانونية والسياسات لتطبيق الاتفاقية وفقًا للمعايير الدولية؛ وذلك ضمن الرقابة الدولية والإقليمية والقومية في تطبيق الاتفاقية.
ولا يجب أن تضع الدول تحفظات على البنود التي ترى أنها تخالف قيمها وقوانينها الوطنية مثلما تحفظت بعض الدول العربية وبنجلاديش وباكستان وإيران على النصوص التي تخالف الشريعة الإسلامية وتحفظت مصر على "اتفاقية التبني" وكذلك جيبوتي عندما تحفظت على مواد لا تتطابق مع دينها وقيمها.
ولكن إلى أي مدى يحترم هذا التحفظ؟!
الواقع يشهد أن هذه التحفظات غير ذات معنى خاصة إذا علمنا أن (النرويج) أثناء اعتراضها على تحفظ جيبوتي؛ حيث إن (أي تحفظٍ من قِبل دولة طرف يحد من مسئولياتها في التزام الدول المتحفظة لهدف الاتفاقية وغرضها، فضلاً عن أنه يعمل على تقويض الأساس الذي يقوم عليه القانون الدولي الخاص بالمعاهدات!!!.
هذه الروح الملزمة.. والإرادة الدولية الخارجية المسيطرة هي ما دعت الوفد المصري لدى الأمم المتحدة في الجلسة الـ(51) إلى أن يتقدم بتقرير يتضمن الآتي:
1) رفع التحفظات عن حقوق الطفل والسعي إلى توفيق قانون الطفل لعام 1996 مع بنود الاتفاقية.
2) السعي إلى رفع السن الدنيا لزواج الفتاة إلى 18 عامًا.
3) السعي إلى ضمان حقوق الطفل المولود خارج نطاق الزواج.
وهي هي نفس النقاط المراد إضافتها لتعديل قانون الطفل الصادر عام 1996.. هكذا ببساطة وفي تحدٍّ لإرادة المجتمع المدني الحقيقي.. وفي غيبة موافقة المؤسسات الدينية مثل مجمع البحوث الإسلامية.
وهكذا وصل الحال بكل دول المسلمين ومن بينها الدول العربية ومصر.. وأصبحنا مجالاً خصبًا ليلعب بنا.. وفي أرضنا مَن يُريدون سلخنا عن هويتنا.. وشخصيتنا ذات الجذور العميقة في التاريخ المشرف، وعندما فرَّطنا في ثوابتنا ضاع منا كل شيء.. ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ (الحج: من الآية 18).
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مواضيع مماثلة
» ما يحدث في غزة.. عارٌ على مَن؟! - بقلم: جمال ماضي
» الرسول والمشروعات المتناهية في الصغر- بقلم: د. محمد بديع
» رأي المشكاة .... دعاة... لابغاة! بقلم : مفرح السبيعي -أمين سر الحركة السلفية
» وجدى غنيم وظلم ذوى القربى بقلم / مجدي داوود
» الرسول والمشروعات المتناهية في الصغر- بقلم: د. محمد بديع
» الرسول والمشروعات المتناهية في الصغر- بقلم: د. محمد بديع
» رأي المشكاة .... دعاة... لابغاة! بقلم : مفرح السبيعي -أمين سر الحركة السلفية
» وجدى غنيم وظلم ذوى القربى بقلم / مجدي داوود
» الرسول والمشروعات المتناهية في الصغر- بقلم: د. محمد بديع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى